سؤال و جواب

مبحث التعارض بين الأحاديث النبوية مبحث دقيق، تناوله الأصوليون بالبحث المفصل في "باب التعارض والترجيح" من مبحث الأدلة، وتناوله علماء الحديث في باب "مختلف الحديث" حتى أفرده بعضهم بالتأليف. وأما طرق التعامل مع هذه المسألة فتنحصر في ثلاثة مسالك. المسلك الأول: الجمع بين الدليلين اللذين ظاهرهما التعارض، وذلك بالجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع؛ كأن يكون أحدهما عاما أو مطلقا والآخر خاصا أو مقيدا وهكذا، وذلك اعتبارا لكون الحديثين الصحيحين الصريحين لا يمكن أن يتناقضا من كل وجه؛ لأن كليهما من كلام من لا ينطق عن الهوى. المسلك الثاني: النظر في إمكانية النسخ، فإن ثبت أن أحدهما ناسخ للآخر فلا إشكال. المسلك الثالث عندما يتعذر هذان المسلكان يلجأ إلى الترجيح بين الدليلين بطرق الترجيح المختلفة، التي تعتمد الإسناد أو المتن. والترجيح بالإسناد يتم بأحد أمور أربعة: * :1 أن يكون أحد الخبرين مرويا في قصة مشهورة متداولة عند أهل النقل، ويكون المعارض له عاريا من ذلك، فيقدم الخبر المروي في قصة مشهورة لأن النفس إلى ثبوته أسكن والظن في صحته أغلب. *2: أن يكون راوي أحد الخبرين أضبط وأحفظ وراوي الذي يعارضه دون ذلك، وإن كانا جميعا يحتج بحديثهما، فيقدم خبر أحفظهما وأتقنهما، لأن النفس أسكن إلى روايته وأوثق بحفظه. *3: أن يكون رواة أحد الخبرين أكثر من رواة الخبر الآخر، فيقدم خبر من كثرت رواته، لأن السهو والغلط أبعد عن الجماعة وأقرب إلى الواحد. *4: أن يقول راوي أحد الخبرين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر يقول: كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقدم خبر من سمع. ومن مرجحات المتن: *1: أن يسلم أحد المتنين من الاضطراب والاختلاف، ويكون متن الحديث الثاني المعارض له مضطربا مختلفا فيه، فيكون السالم من الاضطراب أولى، لأن ذلك دليل الحفظ والإتقان. *2: أن يكون ما تضمنه أحد الخبرين من الحكم منطوقا به، والآخر محتملا فيقدم ما ينطق بحكمه، لأن الغرض فيه أبين والمقصود فيه أجلى. *3: أن يكون أحد الخبرين مستقلا بنفسه والآخر غير مستقل بنفسه، فيكون المستقل بنفسه متعينا أولى، لأن المستقل بنفسه يتيقن المراد به، وغير المستقل بنفسه لا يتيقن المراد به إلا بعد نظر واستدلال، وغيرها. وينظر لمزيد من الاطلاع كتاب {الإشارة في معرفة الأصول} للباجي. ومن المؤلفات المفيدة في هذا الموضوع: * تأويل مختلف الحديث، لابن قتيبة. *الموافقات للشاطبي. * شرح مشكل الآثار، للطحاوي. * التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة، لصلاح الدين العلائي. والمؤلفات الحديثية مشتملة على هذا المبحث، كذلك ككتاب علوم الحديث لابن الصلاح وما حام حوله من المؤلفات.