هل يصح حديث: حج عن أبيك واعتمر؟
أخرج هذا الحديث أئمة الحديث أحمد في مسنده والترمذي في جامعه والنسائي في سننه وابن ماجه في سننه وغيرهم من حديث أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: "حج عن أبيك واعتمر". قال الترمذي معقبا عليه: «هذا حديث حسن صحيح». وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك وقال عقبه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه». هذا الحديث وإن صحح بعض العلماء إسناده فإن ظاهره، يخالف الكليات المحكمات، ويباين القواعد المشتهرات؛ التي منها أن العبد ليس له إلا ما سعى؛ وقد بين ذلك المهلب بن أبي صفرة في قوله: في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه: بينا رجل واقف مع النبي، عليه السلام، بعرفة؛ إذ وقع عن راحلته فوقصته، أو قال: فأقعصته، فقال النبى، عليه السلام: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين، أو قال: ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبى: يدل أنه لا يحج أحد عن أحد؛ لأن الحج من أعمال الأبدان كالصلاة لا تصح فيها النيابة عن غيره، ولو صح فيها النيابة لأمر النبى عليه السلام بإتمام الحج عن هذا، كما أنه قد يمكن ألا يتبع بما بقى عليه من الحج في الآخرة والله أعلم لأنه قد بلغ جهده وطاقته ووقع أجره على الله بقوله: فإنه يبعث يوم القيامة. واحتج مالك كذلك فقال: إنما يعمل الرجل ما دام حيا، فإذا مات انقطع عمله. قال الأصيلي: ثبت الخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد يدعو له، أو علم ينتشر عنه، أو صدقة موقوفة بعده. ينظر شرح ابن بطال 4/522. وقال القاضي أبو بكر بن العربي المعافري في مثل هذا الحديث: «فإن قيل فما فائدة هذا الحديث؟ قلنا: فائدته تركه؛ لأنه لا يصح أن يقال بظاهره ومن قدر على تأويله بفضل علمه فليقل إنه خرج مخرج الحث على البر بالآباء في قضاء ديونهم عند عجزهم، والصدقة عنهم بعد موتهم، وصلة أهل ودهم». ينظر القبس في شرح موطأ مالك بن أنس 2/542. قال الشارمساحي: «الأعمال عندنا على ثلاثة أضرب: ضرب لا تجوز النيابة فيه بوجه، وهو ما لم يكن فيه حق مالي بوجه كالصلاة والصوم، فلا يجوز فيه أن ينوب أحد عن غيره، لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]. … وضرب تجوز فيه النيابة: وهو ما كان من الأعمال راجعًا إِلى المال، وضرب أخذ بطرف من البدن ومن المال، وهو الحج، فمن غلب فيه حكم البدن لم يجز فيه النيابة، ومن غلب فيه حكم المالية؛ لأنه غالب لا يتأتى إِلا بإِنفاق المال أجاز فيه النيابة، إِلا أن مالكًا راعى الخلاف، فكره أن تعقد فيه الإِجارة ابتداء، فإِن وقعت جازت رعيًا للخلاف».
البحث