من قال بنسخ حديث أبي الزبير عن جابر:"كنا إذا حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان"؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف المرسلين. أما بعد، فجوابا على سؤلكم أقول: إن الحديث الذي ذكرتم أخرجه الترمذي باللفظ الذي ذكر في السؤال وهو عن أبي الزبير، عن جابر قال: "كنا إذا حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان" وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد أجمع أهل العلم على: أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، بل هي تلبي عن نفسها، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية. ( سنن الترمذي. ج/3/ ص/ 257. رقم الحديث 927. تحقيق أحمد شاكر). والحديث ليس عليه العمل لقول الإمام ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي:" وقد روى الترمذي في كتاب الحج حديث جابر في التلبية عن النساء ثم ذكر الإجماع على أنه لا يلبى عن النساء، فهذا ينبغي أن يكون حديثا ثالثا، مما لم يؤخذ به عند الترمذي" وغير خاف على أهل الصنعة الحديثية أن للترمذي رحمه الله شروطا في ما ضمنه جامعه من الأحاديث، بينها ابن طاهر المقدسي بيانا شافيا، ومن ضمن ما بينه تقسيمات الحديث عند الترمذي: فقال "وقسم أخرجه للضدية وأبان عن علته ولم يغفله" ، ولعل هذا الحديث من هذا النوع، فاستحضار شروط الترمذي تعفي من كثير من الأحكام والله تعالى أعلم. أضف إلى أن الحديث ضعيف في سنده أشعث بن سوار وهو ضعيف كما صرح به الحافظ في التقريب وفيه أيضا أبو الزبير. وأخرجه أيضا الإمام أحمد وبن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ: "حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم". (سنن ابن ماجه. رقم الحديث 3039. تحقيق الأرنؤوط، وفي مسند الإمام أحمد برقم 14370 ) قال بن القطان الفاسي ولفظ بن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها، أجمع على ذلك أهل العلم. الخلاصة: وعلى افتراض أن الحديث صحيح وهو ليس كذلك فإن الإجماع منعقد على خلاف معناه كما تقدم عند الإمام الترمذي وحكاه ابن القطان الفاسي وغير واحد من الأئمة؛ لذلك أورده الإمام السيوطي مثالا للحديث الذي نسخه الإجماع ويقصد بذلك طبعا النص الذي بني عليه الإجماع لا الإجماع وحده، إذ لا إجماع بدون مستند من النص الشرعي. يقول الإمام السيوطي رحمه الله في كتابه تدريب الراوي في شرح تقريب النووي عند الحديث عن ما يعرف به النسخ تحت عنوان (ناسخ الحديث ومنسوخه، وهو فن مهم): ومنه ما عرف بدلالة الإجماع... فالمثال الصحيح لذلك ـ يعنى الإجماع ـ ما رواه الترمذي من حديث جابر قال: "كنا حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان". (تدريب الراوي في تقريب النووي. ج/2/ص/647.) وعليه فالحديث بتعبير الترمذي وابن القطان مخالف للإجماع وبصنيع الإمام السيوطي منسوخ. والله أعلم
البحث