السؤال

ستر الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله ما حكم حديث «كل أُمتي مُعَافًى إلا المُجاهرين، وإنَّ من المُجَاهرة أن يعملَ الرجلُ بالليل عملًا، ثم يُصْبِح وقد سَتره الله عليه، فيقول: يا فلان، عَمِلت البَارحة كذا وكذا، وقد بَات يَسْتُره ربه، ويُصبح يَكشف سِتْرَ الله عنه» بارك الله فيكم.

الإجابة

عليكم السلام ورحمة الله؛ هو حديث صحيح من الأحاديث التي رواها الشيخان عن أبي هريرة؛ حيث رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب من صحيحه، باب ستر المؤمن على نفسه ولفظه: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". ورواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الزهد والرقائق باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، ولفظه: "كل أمتي معافاة، إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" قال زهير: «وإن من الهجار». وفي بيان الألفاظ التي روي بها هذا الحديث وبيان معناه يقول أبو العباس القرطبي في المفهم: "(قوله: كل أمتي معافى إلا المجاهرين) كذا رواية أكثر الرواة بتقديم الجيم على الهاء منصوبا على الاستثناء، وهو جمع مجاهر، اسم فاعل من جاهره بالقول وبالعداوة: إذا ناداه وفاجأه بذلك. ووقع في نسخة شيخنا أبي الصبر: إلا المجاهرون بالواو، رفعا، وهو جائز، على أن تحمل (إلا) على (غير) كما قد أنشده النحويون: وكل أخ مفارقه أخوه … لعمر أبيك إلا الفرقدان أي: غير الفرقدين، وهو قليل، والوجه الأول الكثير الفصيح. و(قوله: وإن من الجهار) هذه رواية زهير، وهي رواية حسنة، لأنه مصدر: جاهر، الذي اسم الفاعل منه مجاهر، فيتناسب صدر الكلام وعجزه. ورواه أكثر رواة مسلم: وإن من الإجهار فيكون مصدر: أجهر، أي: أعلن. قال الجوهري: إجهار الرجل: إعلانه، وعند الفارسي: وإن من الإهجار، بتقديم الهاء على الجيم، وهو الإفحاش في القول. قاله الجوهري. قلت: وهذه الروايات، وإن اختلفت ألفاظها، هي راجعة إلى معنى واحد قد فسره في الحديث، وهو أن يعمل الرجل معصية في خفية وخلوة، ثم يخرج يتحدث بها مع الناس، ويجهر بها ويعلنها، وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش. وذلك أن هذا لا يصدر إلا من جاهل بقدر المعصية، أو مستهين مستهزئ بها، مصر عليها، غير تائب منها، مظهر للمنكر. والواحد من هذه الأمور كبيرة، فكيف إذا اجتمعت؟! فلذلك كان فاعل هذه الأشياء أشد الناس بلاء في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، لأنه تجتمع عليه عقوبة تلك الأمور كلها، وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله، وإن كان مرتكب كبيرة فأمره أخف، وعقوبته - إن عوقب - أهون، ورجوعه عنها أقرب من الأول، لأن ذلك المجاهر قل أن يتوب، أو يرجع عما اعتاده من المعصية، وسهل عليه منها. فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقا إن تاب، وإما معافى بالنسبة إليه إن عوقب، والله تعالى أعلم. المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم 6/218.