للأستاذ: محمد بنكيران
بين الأستاذ محمد بنكيران في بداية درسه دور حماة الدين وأمناء الأمة في العناية الشاملة بالسنة النبوية الشريفة وصيانتها من التحريف، وجهودهم الكبرى في الترصد لكل محاولات المساس بكيانها، أو التشويش على حرمتها، متمثلين في ذلك توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحث فيه على تمام الاحتياط والتثبت في نقل حديثه اعتبارا لقدسيته وحرمته وحجيته، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه".[1]
وذكَّر بأن من أوائل العناية بالسنة النبوية توافد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرض مجالسته وسماع حديثه، وذلك على سبيل الملازمة الدائمة من لدن كثير منهم.
وقد وجد لدى بعضهم حرص على كتابة أحاديثه صلى الله عليه وسلم مع استعداد خاص لذلك، الأمر الذي أدى إلى وجود أحاديث مكتوبة في اللحظات الأولى من تاريخ الرواية، وهو ما يسمح بالقول بأن مرحلة الكتابة للسنة بدأت في عهده صلى الله عليه وسلم بصورة يمكن وصفها بأنها كانت انتقائية وغير شاملة.
وبعد مرحلة الكتابة الأولية تضافرت عوامل دعت المسلمين إلى الانتقال إلى عملية تدوين السنة تدوينا شاملا، فتم ذلك بأمر من خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي راسل العلماء والولاة في الأمصار في هذا الشأن، وأسند العمل للإمام محمد بن شهاب الزهري (تـ 124 هـ)، وجعله المشرف على هذا العمل.
وبعد هذه المرحلة مباشرة ابتدأت مرحلة التصنيف مع طبقة تلاميذ الإمام الزهري.
فيكون نقل السنة النبوية بناء على هذا قد مر بثلاث مراحل، هي:
- مرحلة الكتابة وهي التي بدأت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
- مرحلة التدوين الرسمي التي تمت بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
- مرحلة التصنيف؛ وهي المرحلة التي استمرت لعقود طويلة، واتسمت بترابطها وانسجام أعمال المصنفين فيها تحت أهداف مشتركة، وكان التركيز فيها على التبويب والترتيب بالموازاة مع نقد الأسانيد.
ويمكن تقسيم أنواع التصنيف إلى نوعين كبيرين، وذلك باعتبار ما يأتي:
1 - الترتيب على المسانيد، أو الترتيب الإسنادي: وهو الذي يأخذ بعين الاعتبار جانب الإسناد، وأشهر أنواعه ما روعي فيه الصحابي راوي الحديث، حيث تم تصنيف الأحاديث بحسب ذلك، فكانت هناك مصنفات تضمنت مرويات جميع الصحابة، وأخرى اقتصرت على مرويات صحابي واحد.
والقصد من هذا التصنيف هو تقصي كل الأحاديث النبوية حتى لا يضيع منها شيء.
2 - التصنيف باعتبار الموضوع: وهو الغالب في التصنيف، وقد مهد له التصنيف الإسنادي، فكانت الأحاديث ترتب حسب موضوعاتها، فتجمع أحاديث كل موضوع على حدة في المصنف الواحد، فتكون أحاديث الإيمان منفصلة عن أحاديث العلم وأحاديث الطهارة وهكذا.
غايات التصنيف:
للتصنيف عند المحدثين غايات منهجية دقيقة ومحددة، أهمها:
· إيداع كل الحديث النبوي في المصنفات، وجعلها بمثابة المرجع الشامل، لكيلا يكون عزو إلا إليها، ولكي يحاصر الوضاعون بصفة نهائية، ويتعذر عليهم وضع أي حديث خارج تلك المصنفات.
· بيان الثابت من الحديث من غيره.
· دعم المذاهب الفقهية بعرض أدلتها من الحديث النبوي.
· تحصين المعرفة الإسلامية بكل تخصصاتها وشعبها، وحمايتها من الوقوع في الانحراف بالبعد عن الدليل من الحديث النبوي.
الحواشي:
[1]- أخرجه أبو داود في كتاب العلم، باب فضل نشر العلم، والترمذي في أبواب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع من حديث زيد بن ثابت وحسنه، وقال: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وجبير بن مطعم، وأبي الدرداء، وأنس".