مكانة الحديث النبوي الشريف

لقد أنزل الله تعالى كتابه ليكون للعالمين هدى ونورا وشفاء لما في الصدور، وأعطى نبيه سيدنا محمدا منزلة المبين، والمفسر لمعانيه، وجعله القدوة التي تمثل أرقى نموذج التدين، والتحلي بخلق القرآن؛ والحديث النبوي هو صلة الوصل بيننا وبين نور بيانه، وجميل امتثاله عبر الأجيال والأزمان. وفيما يلي بيان هذه الجملة.
0

الحديث النبوي بيان للقرآن وسبيل العمل بأحكامه

تجلت مكانة الحديث النبوي في كونه بيانا للقرآن؛ قال الإمام الشافعي: "فَرْضُ الله عز وجل في كتابه من وجهين: أحدهما: أبان فيه كيف فَرَضَ بعضها حتى استغني فيه بالتنزيل عن التأويل وعن الخبر. والآخر: أنه أحكم فَرْضَه بكتابه، وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم أثبت فَرْضَ ما فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في كتابه بقوله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من الآية7]. وبقوله تبارك اسمه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. وبقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: من الآية36]. مع غير آية في القرآ ن بهذا المعنى فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله عز وجل قبل. كتاب جماع العلم (ص: 48).

ولقد تنوع بيان النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع قولا، وفعلا، وإقرارا فإنه صلى الله عليه وسلم عصمه الله أن يسكت على خلاف ما أنزل عليه إذا رآه، أو علم به.

مكانة الحديث النبوي عند الصحابة وعنايتهم به تعلما ونقلا

لقد أدرك الصحابة الكرام مكانة الحديث النبوي، فاجتهدوا في تعلمه، والعمل به، وطلب ما فاتهم منه، وتوثيقه بأقوى وسائل التوثيق، ومن صور عنايتهم به تعلما وأداء، تناوبهم على مجالس النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام البخاري عن سيدنا عمر قال: "كان لي جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يوما، وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك". ففي الخبر أن الذي نزل في يومه يتلقى الحديث مع الوحي، ثم يخبر به صاحبه.

اهتمام الصحابة بجهات العمل بالحديث النبوي وترك الإكثار، وما لا عمل تحته

ومن أدلة حرصهم على الجمع بين العلم بالحديث النبوي والعمل به، بدل الإكثار بما لا يترتب عليه عمل؛ ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يأخذون منه صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى، حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قال: فتعلمنا العلم والعمل".

الاقتداء بالفعل النبوي أقوى وسيلة لتعلم الحديث

فإنه صلى الله عليه وسلم كان في تعليمه الصحابة الكرام أحيانا لا يزيد على أمرهم بالاقتداء به، ففي الصحيحين من حديث مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عله وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وأخرج الإمام مسلم عن سيدنا جابر رضي الله عنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم". لقد ساعد تلقي الحديث مقرونا بالعمل على توثيق السنة بأرقى وسائل التوثيق وهو العمل، فكان هو الأصل عند الإمام مالك رحمه الله. فإنه يضمن سلامة المعنى، وكيفية العمل به، ويتيح اختبار حصول البلاغ وحسن الفهم، إضافة إلى تيسير الحفظ.

الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يجتهدون في التشبه به، تقديرا لمكانة الحديث

ولمكانة الحديث النبوي، كان الصحابة الكرام يتنافسون في تقديم أشبه صورة بالنبي صلى الله عليه وسلم، في كل شيء، ففي صحيح الإمام مسلم «أن عثمانَ توضأ بالمقاعد، فقال: ألا أُرِيكم وضوءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم توضَّأ ثلاثاً ثلاثاً» وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه «كان يصلِّي بهم فيُكبِّرُ كلما خفض، ورفع، فإذا انصرف، قال: إني لأشبَهُكم بصلاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم».

تأكيد الصحابة والتابعين وجوب العمل بالحديث النبوي، واضطرار الناس إليه

 لقد أدرك الصحابة مكانة الحديث النبوي، فكانوا يرجعون إليه في كل شيء مما نزل بهم، لمعرفة وجهه وكيفية العمل به لما كان بين ظهرانيهم، فلما مات صلى الله عليه وسلم بعدما ترك الناس على المحجة البيضاء، لم يكن من سبيل إليه وإلى بيانه وهديه، وكيفية الامتثال للشريعة، إلا عن طريق الخبر الصادق عنه، فهو الكفيل بنقل قوله وفعله وإقراره وسنته كلها. وهو ما اصطلح عليه بالحديث النبوي الشريف، والسنة المطهرة. ولقد حفظ الله الحديث النبوي، بما حفظ به كتابه قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" لأن البيان من جنس المبين. فلا سبيل إلى تلقي معاني أمور الدين الواردة في الكتاب المبين، ومعرفة كيفية الامتثال لمقتضيات الشريعة، وتحقيق طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا عن طريق الحديث النبوي. وهذا ما أكده الصحابة الكرام ومن بعدهم من الأئمة الأعلام؛ ففي جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر بن عبد البر القرطبي عن عمران بن حصين رضي الله عنه، كان جالسا ومعه أصحابه، فقال رجل من القوم: لا تحدثونا إلا بالقرآن، قال: فقال له: "أدنه" فدنا، فقال: "أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا، والمغرب ثلاثا، تقرأ في اثنتين؟! أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا، والطواف بالصفا والمروة؟! ثم قال: "أي قوم خذو عنا، فإنكم والله إن لم تفعلوا لتضلن". وفيه أيضا قيل لمطرف بن عبد الله بن الشخير: لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال مطرف: «والله ما نريد بالقرآن بدلا، ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا».