السؤال الأول: متى يحتاج الحديث الصحيح إلى توجيه من السادة العلماء؟
الجواب: لا بد من الاشارة إلى أن علماء الحديث بذلوا جهودا كبيرة في الحفاظ على النص الحديثي من حيث وروده، فتعاملوا مع الحديث بنوع من الاجتهاد وفق منهج علمي دقيق صارم، وسلكوا في ذلك منهجا فريدا من أجل أن يصلوا إلى هذا النص الحديثي في نقائه كما قاله صاحبه حتى شهد بذلك غير المسلمين وقد خص الله تعالى هذه الأمة بأمور لم تكن لغيرها من الأمم، ومن ذلك الإسناد؛ قال أبو علي الغساني الجياني: خص الله عز وجل هذه الأمة بالأنساب والإسناد والإعراب.
وأما فيما يتعلق بالحديث إذا كان سنده صحيحا هل نعمل به أم لا؟
فقد يقال: هذا حديث صحيح من حيث الإسناد ولكنه لا يصح، لأنه قد يكون شاذا أو معللا كما قال ابن الصلاح، بمعنى أنه لا يكفي للحكم على صحة الحديث أن يكون سنده صحيحا فيحكم عليه بشكل عام، وإنما يتعين النظر إلى متن الحديث وإلى جملة من الأحاديث التي تتحدث على الموضوع الواحد، لأنه قد يكون الحديث صحيحا وهو مخالف للثقات، ثم إن الحديث وإن كان صحيحا فلا بد فيه من حسن الفهم، فلا تكفي الرواية، بل لا بد من الدراية؛ وهنا يدخل الفقه، ويدخل استحضار مقاصد الشريعة، كما يدخل استحضار مقامات النبوة، أي: هذا الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هل قاله صلى الله عليه وسلم باعتباره نبيا مبلغا، أو مفتيا، أو قاضيا، أو إماما؟ (التصرفات النبوية كما يسميها العلماء) كما يدخل استحضار أسباب الورود أي سياق الحديث، وكذلك النظر في اللفظ الحديثي.
السؤال الثاني: ما ذا نقصد بالحديث الضعيف؟
الجواب: هو الحديث الذي فقد شرطا من شروط القبول، والمراد بالقبول: صحيح وحسن، قال البيقوني:
وكل ما عن رتبة الحسن قصر ... فهو الضعيف وهو أقساما كثر
أي فقد شرطا من شروط الصحيح وهي خمسة: الاتصال، والعدالة، والضبط، والسلامة من الشذوذ، والسلامة من العلة.
السؤال الثالث: هل يمكن التساهل في قبول الحديث الضعيف؟
الجواب: الحديث الضعيف خصه أيضا علماؤنا بالبحث والدراسة وتكلموا فيه كثيرا، وانقسموا في ذلك إلى ثلاثة أقوال: فريق يقول باعتماده مطلقا. وفريق يقول بعدم اعتماده مطلقا، وفريق توسط وقال: الحديث الضعيف يعتد به بشروط، ومنها: ألا يكون ضعيفا شديد الضعف (واهيا)، وأن يندرج تحت أصل عام معمول به تشهد له النصوص، وأنه لا يعارض نصا قرآنيا أو نصا حديثيا، وأن يرويه الراوي بصيغة التمريض كروي.
وهذا كله في مجال الترغيب والترهيب وغير ذلك من الأمور التي لا تتعلق بالأحكام والعقيدة، أي في فضائل الأعمال التي يجمل في حق الناس أن يأتوها، لأنها لا تشمل أصلا من أصول الشريعة، وإنما فيها نوع من الترغيب وما إلى ذلك...
السؤال الرابع: ما هي خطورة الاستشهاد بالأحاديث الواهية والضعيفة من حيث الأحكام؟
الجواب: الاستشهاد بالأحاديث الموضوعة أو المكذوبة أو الواهية خطير جدا لأنها توقع في مسألة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)، وهذا يجعله يقع في وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، وإن كان الشخص مجرد ناقل، لأن ذلك سيؤدي بنا إلى أن نقول في الشريعة أمورا والشريعة بريئة من ذلك. وبناء الأحكام على الأحاديث الواهية قد يؤدي إلى إخراج الشريعة عن عدلها ورحمتها وسماحتها.
السؤال الخامس: ما مدى صحة حديث: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه الإمام أبو داود في سننه موصولا، وأخرجه الترمذي موصولا ومرسلا، والنسائي كذلك مرسلا، وقد اختلف العلماء في حكم هذا الحديث باختلافهم في حكم المرسل عموما، هل يحتج به أم لا؟
جمهور المحدثين على أن المرسل ضعيف فلا يحتج به، ـ والمرسل هو: ماسقط منه الصحابي، قال البيقوني: ومرسل منه الصحابي سقط ـ وعلى هذا اختلف العلماء فيه هل هو موصول أو مرسل؟ ونقل عن البخاري أن هذا الحديث مرسل فضعفه، كما ضعفه مجموعة من العلماء.
وأما فيما يرتبط بمعناه: فهذا الحديث محفوف بالمخاطر، لأن كثيرا من الناس استمدوا منه حكما شرعيا خطيرا وهو حرمة الإقامة بين المشركين، فالحديث وإن كان صحيحا فليس هذا معناه، لأن سبب وروده: السرية التي أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من خثعم فاعتصموا في السجود واشتد فيهم القتل، وحكم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلك بنصف الدية فقال الحديث...، كما يعارضه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفديك: يافديك أقم الصلاة واهجر السوء، واسكن من أرض قومك حيث شئت.
ثم إن الحديث يتعارض مع قصد عظيم من مقاصد الدين، وهو قوله تعالى: ﴿وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا﴾، فلا يمكن أن يتم التعارف ولا يتحقق المقصود إذا لم يمكن المكوث بين المسلمين وغير المسلمين.
السؤال السادس: ما صحة هذا الحديث: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه البخاري وهو صحيح، لكن الإشكال في متنه من حيث الفهم، لأن هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء، فريق منهم يقول بتحريم التصوير مطلقا، وفريق يميز بين التصوير الذي فيه التجسيم (النحت وماله ظل) وبين التصوير الذي ليس فيه التجسيم، وفريق يقول بإباحة التصوير مطلقا، وكل فريق يعتمد على أدلة شرعية، فمثلا أولئك الذين فرقوا بين التجسيم وغيره اعتمدوا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة إلا رقما في ثوب) فيه استثناء هذا النوع من التصوير (النقش مثلا)، والفريق الذي قال بالتحريم مطلقا اعتمد على قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مصور في النار)، والفريق الذي قال بالإباحة اعتمد على أن أحاديث النهي عن التصوير إنما تتعلق بأمة حديثة العهد بالإسلام، لأنهم قريبون من زمن الجاهلية وعبادة الأصنام.
فينبغي أن نحتاط في فهم الحديث الشريف، فالتصوير الذي نعيشه اليوم ليس هو التصوير الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيما وأن حاجة الناس اليوم إلى قضايا التصوير كثيرة في كثير من المجالات.
والخلاصة أن التصوير الذي يقصده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التصوير الذي فيه المضاهاة لخلق الله والذي فيه نية العبادة والتقديس.
السؤال السابع: ما درجة وصحة هذا الحديث: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار؟
الجواب: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري في الجامع الصحيح وغيره، وإنما ينصرف معناه إلى الشخص الذي ينوي ويقصد بذلك الإسبال الوارد في الحديث التكبر والخيلاء بدليل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى الواردة في نفس الموضوع، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء) رواه البخاري، على أن العادة ههنا محكَّمة كما قال الحافظ العراقي وغيره، أي: اعتبار عادات الناس في لباس القوم في كل زمان ومكان.
السؤال الثامن: حديث: إياكم وخضراء الدمن فما درجة صحته؟
الجواب: هذا الحديث: (إياكم وخضراء الدمن، قيل وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء)، فمن حيث سنده فهو ضعيف، ضعفه العراقي، وفي سنده الواقدي وهو متكلم فيه، ولكن معناه صحيح يشهد له حديث: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) والمراد بخضراء الدمن: موضع الأزبال كالمرابض تنبت فيه الأزهار؛ والرسول صلى الله عليه وسلم يوجه إلى اختيار صاحبة الدين الذي هو الأساس في صلاح الأسرة.
السؤال التاسع: هل يصح حديث: لعن الله امرأة رفعت صوتها ولو بذكر الله؟
الجواب: هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف للقرآن الكريم، ومخالف للأحاديث الأخرى، ومخالف للسيرة النبوية، فالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة تكلموا مع الصحابيات، فكم من امرأة جاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث لا يصح من حيث المعنى والرواية. وأسباب ورود أحاديث الوضع قد تكون الجهل، أو الإساءة إلى هذا الدين، وهناك أسباب كثير ذكرها المختصون في الكتب المختصة في هذا الشأن..
السؤال العاشر: هل يصح حديث: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد؟
الجواب: هذا الحديث أورده البيهقي والدار قطني وهو ضعيف، ضعفه ابن حجر العسقلاني عندما تحدث عن خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم التي منها أن الله جعل له الأرض مسجدا وطهورا، فهذا يؤكد أن الحديث من حيث روايته ضعيف على رأي ابن حجر وغيره، وإذا أردنا أن نناقش معناه بغض النظر عن الرواية فإن المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لجار المسجد أي: لا صلاة كاملة، لأنه وردت أحاديث أخرى تخالف ظاهره، ومنها حديث: صلاة الفذ تفضل صلاة الجماعة بسبع وعشرين درجة، فلو لم تكن صلاة الفذ مقبولة ما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقارن بين صلاة الفذ وصلاة الجماعة، وهذا يعني أن كليهما صحيح، وأن الفذ يفوته فضل الجماعة من الأجر والحسنات، . والذي يشرح هذا أيضا هو كلام الفقهاء، فقد اختلفوا في هذا، فالظاهرية يقولون إن الصلاة في المسجد واجبة، وفريق من الفقهاء يقول بأنها غير واجبة، وجمهور الفقهاء ومنهم السادة المالكية يقولون بأنها سنة مؤكدة.
ذ. المصطفى زمهنى