تعريف بالمصحف المحمدي الشريف

0

بحمد الله تعالى وحُسن عونه كُتب هذا المصحف الشّريف وضُبط على ما يوافق على ما يُوافق قراءة نافع بن أبي نعيم المدنيّ (ت169ه) من رواية أبي سعيد عثمان ابن سعيد المصري المُلقّب بورش (ت197ه) وطريق يوسف بن عمرو الأزرق المدني (ت في حدود 240ه)، بالسّند المتّصل من نافع إلى ابن عبّاس وأبي هريرة وعبد الله بن عياش عن أُبيّ بن كعب الأنصاريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

     كما اعتُمدت في أداء هذه الرّواية اختيارات أبي عمرو عثمان بن سعيد الدّاني الأندلسي (ت444ه) حسب طريقه المتصلة إلى الأزرق عن ورش عن نافع، إذ عليها دَرَجَ المغاربة في التلاوة الرّسميّة، كما اعتمدوها في رسم مصاحفهم ونَقطِها وضَبطِها من زمنه إلى اليوم.

  وأُخد هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصحف العثماني الذي جعله أمير المومنين عثمان بن عفان-رضي الله عنه- إماماً لأهل المدينة. واعتَمَد أهل المغرب والأندلس على ما نقله أئمتهم من المصحف عن المصحف المذكور، وعن مصحف الإمام نافع الشّخصيّ كما وصفه تلميذه الغازي بن قيس القُرطبي (ت 199ه) الذي عرض مصحفه على مصحف نافع ثلاث عشرة مرة، وكان أول من دخل المغرب بقراءة نافع وموطّإ مالك رواية عنهما، كما ألف كتابه (هجاء السُّنة)، فرسم معالم المدرسة المدنية في هجاء المصاحف وكان عُمدة من جاء بعده في ذلك. وأهمّ من جمع في ذلك وهذّبه وحرّره هو الإمام الحافظ أبو عمرو الداني الذي ألف كتاب (المُقنع في رسم المصاحف) وكتاب (المُحكَم في نقط المصاحف)، ونَقَل من مذهب أهل المدينة نقلا مستفيضا من رواية الغازي بن قيس وعيسى بن مينا قالون كلاهما عن نافع. ثم تبعه على ذلك تلميذه المُختصّ بحمل مذاهبه الإمام داوود بن سليمان بن نجاح (ت 496ه)، فألف (كتاب التنزيل) في الرّسم، والذّيل عليه في (أُصول الضّبط). ثم جاء بعده الإمام أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الخراز الشّريشي نزيلُ فاس (ت 718ه) فاستوعب ذلك في أرجوزة (مورد الظّمئان) في الرسم، وذيلها في الضّبط، وقامت من بعد ذلك على هاتين الأرجوزتين تنظيرا وتذييلا وشرحا واستدراكا أراجيزُ ومؤلّفات كثيرة، منها كتاب (التبيان) في الضّبط لأبي إسحاق إبراهيم ابن أحمد التجبيبي، وكتاب (التبيان في شرح مورد الظّمئان) في الرسم لابن جطأ، وشرح (عمدة البيان) في الضّبط لأبي عبد الله المَجاصِي و(الميمونة الفريدة) في الضبط لأبي عبد الله القيسي، و (الدُّرَّة الجليلة في نقط المصاحف العَليّة) لميمون الفخّار، و (كشف الغمام عن مرسوم الإمام) للحسن بن علي بن أبي بكر الشباني، و (حلة الأعيان في شرح عمدة البيان) للشوشاوي، و (الطِّراز في شرح ضبط الخراز) للحافظ التَّنَسي، و (وفتح المنّان في شرح مورد الظّمئان) في الرسم لعبد الواحد بن عاشر الأنصاري، و (بيان الخلاف والتشهير والاستحسان) في الرسم لعبد الرحمان القاضي، وغير هذه المصنَّفات التي تَتَبَّعَتْ قواعد الرّسم والضّبط في المدرسة المغربية، وحرّرتْ مسائلهما وأوضاعهما على مذهب الشيخين أبي عمرو الدّاني وأبي داوود بن نجاح، وحرّرتْ مسائل الوفاق والخلاف بينهما.   

   وقد اعتُمد في هذا المصحف ما اتَّفَقَ عليه الشيخان في كتبهما، مع ترجيح مذاهب أحدهما عند اختلاف النقل، وكل ذلك في ضوء ما حرره شُرّاح المورد وذَيْله في مسائل الخلاف، مع مُراعاة المشهور مما جرى عليه العمل عند المُحقِّقين ومَن أدركناهم من الشيوخ المَهَرة.

  كما ضُبِط هذا المصحف ونُقِطَ على طريقة أهل المغرب التي استنبطوها وهذبوها في الصدر الأول من عمل أهل المدينة.

  ومن مميزاتها في الضّبط: الأخذ بطريقة الخليل بن أحمد التي تعتمد الشكل بالحركات المأخوذة من الحروف. واعتُمد في النَّقْط على جعْل نقْط الفاء بواحدة من تحت، ونقط القاف بواحدة من فوق، وتعرية حروف (ينفق) من النقط إذا جاءت في الطرف، نحو:

(إلَىَّ، يُّحْيِىَ، يُومِنُ، كيف، خلق) ورسم الياءات المتطرفة معقوصة إلى الخلف إذا كانت 

ساكنة، مثل: (في، شيء، النبيء، يضيء،) ورسمها موقوصة بعكس ذلك إذا كانت متحركة في الطرف في مثل:(إلى، إ، وليي الله، ابني آدم).

    ومن مُميّزاتها أيضا وضع النقط في مواضع همزات الوصل من الألفات للدّالة على مواضع الابتداء بها، على ما جرى به العمل في المصاحف المغربية والأندلسية ومدارس الإقراء والتعليم خلفا عن سلف.

    واعتُمد في عَدِّ الآيِ في هذا المصحف مذهب أهل المدينة، وهو المعروف ب (العدِّ المدني الأخير)، وجملة عدِّ الآي فيه= (6214آية)، وهو المعتمد قديما عند أهل المغرب في قراءة نافع. قال أبو عمرو الداني في كتاب (إيجاز البيان): "والمدني الأخير به يَعُدَّ التّالون لقراء نافع اليوم، وبه تُخَمَّسُ المصاحف وتُعَشَّر وتُرسم فواتح السور". وقال ابن الجزري في كتاب (النشر): " كان ورش يعتمد المدني الأخير، واحتج بأنه عدد نافع وأصحابه وعليه مدار قراءة أصحابه المملين رؤوس الآي".

    ومن مزايا هذا المصحف في أخذه بالعدّ المدنيّ لا بالعدّ الكوفيّ أنّه جاء مطابقا لأحكام فقه مذهب الإمام مالك في جملة من خصائصهن ومنها:

عدم اعتبار البسملة في أول سورة الفاتحة أول ءاية منها، قال في المدونة: "وهي السنة وعليها أدركت الناس".

   ومنها: أنه يوافق مذهب مالك في عدد عزائم السجود ومواضعها من القرءان، وهي عند مالك إحدى عشر سجدة ليس في المفصل منها شيء، قال في الموطإ: "وهو الأمر عندنا". وبناء عليه لم ترسم في هذا المصحف علامة السجود في أواخر سور الحج والنجم والانشقاق والعلق.

   واعتمد في بيان رؤوس الأحزاب القرآنية الستين وأنصافها وأرباعها وأثمانها على ما اعتمده في ذلك أبو عمرو الداني في كتابه (البيان في عدِّ آي القرآن)، وما جرى العمل به عند مشيخة الإقراء، على ما في بعضه من اختلاف بحسب الجهات المغربية.

   واعتمد في بيان مواضع الوقف على ما عليه العمل عند المغاربة من الأخذ بالوقف المنسوب إلى الإمام محمد بن أبي جمعة الهبطي الفاسي (ت 930ه) لجريان العمل به منذ قرون، مع مراعاة ما عليه العمل في بعض الوقفات من الخلاف بحسي الجهات المغربية.

  وقد تم تجنب رسم علامة الوقف في أواخر السور؛ إذ المختار له -كما نقله أبو عمرو الداني في كتاب (التيسير) وغيره- أن يُفصل له بين السورتين بسكتة يسيرة، أو تُوصَلُ بالسورة دون وقف. إلا أننا راعينا اختيار المشيخة الذي جرى به العمل في ما يعرف "الأربع الزهر" فرسمنا علامة الوقف على ما قبل البسملة وعلى البسملة جميعا.

    والتزمنا في هذا المصحف بالرسم المشهور الذي عليه العمل في عامة البلاد المغربية، دون ما هو في بعض الجهات عند خاصة الشيوخ كحذفهم للألف في (من عاصم) في سورة يونس، وأَلِفَ (وَلاَ كِذَّاباً) في سورة النبإ، وكإلحاق الالف بعد اللام في المواضع العشرة التي جاء فيها لفظ (التي) دالاً على جماعة الإناث كقوله تعالى: (والتي ياتين الفحشة) وقوله:

(والتي تخافون نشوزهن) في النساء، فقد كتبت في بعض المصاحف المطبوعة برواية ورش

 بإلحاق أَلف بين اللام والتاء، وهو خلاف ما عليه العمل.

      وكما روعي أيضاً ما عليه العمل من عدم وضع الوقف في المواضع الخمسة في نهاية الربع الأخير من حزب (قد افلح المومنون)؛ لاشتهار قراءتها في جميعاً بالوصل في أكثر جهات المغرب، ابتداء من قوله تعالى: (وقال الملأ من قومه) إلى قوله تعالى: ( ومانحن له بمومنين).

   كما تم تجريد ءاخر المصحف مما أُلْحِقَ به في بعض الطبعات من دعاء الختم؛ وذلك تبعاً لما صحّ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يقول: " جَرِّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء"، أخرجه أبو عمرو الداني من طرق عنه في كتاب (المحكم في نقط المصاحف).

ولله الحمد والمنة.